مقارنة بين الأسطورة الرافدينية والتوراتية"ج1"

. . ليست هناك تعليقات:

بحث تاريخي " مقارنة بين الأسطورة الرافدينية والتوراتية " الجزء الأول 

يختلف المحدثون من دارسي الأساطير ، اختلافاً جذريا ً في نظرتهم لطبيعة الأساطير القديمة، وميدانها ومدلولها، فهناك الذين ينظرون إليها كأنها روايات خرافية وهمية ، ذات منزلة فكرية وروحية ضئيلة أي أنها نتاج صبياني لخيال مهوش ووهم نزق ، ويناقضهم على طول الخط أولئك العلماء الذين يؤمنون بأن أساطير العالم القديم إنما تمثل واحدة من أعمق منجزات الروح الإنسانية وهو الخلق الملهم بعقول شاعرية خيالية موهوبة ، سليمة لم يفسدها تيار الفحص العلمي ولا العقلية التحليلية، ولذلك كانت مفتوحة وعرضه لتأملات كونية عميقة، احتجبت عن الإنسان المفكر الحديث بحكم حدوده المقيدة ومنطقه الجامد الذي لا روح فيه .

- فالأسطورة كما عرفها بلنفش هي " سجل لإيمان الشعوب البدائية بالسحر، واسترضاء آلهتهم بالطقوس، وبوجه عام فأنها مظهر لمحاولات الإنسان الأولى كي ينظم تجربة حياته في وجود غامض خفي إلى نوع ما من النظام المعترف به، وأنه لا يتفق مع طبيعة هذه الشعوب البدائية أن يشحنوا أساطيرهم الملفقة المصنوعة بالأخيلة الشعرية التي تضفي فيها البشرية على قوى الطبيعة سجاياها وهناتها .

- أما السير " جوم " فيقول عن الأسطورة بأنها علوم عصير ما قبل العلوم، على أن هناك مدارس بأسرها من المشتغلين بالأساطير ممن يجادلون بأن الأسطورة القديمة إنما ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالمناسك والشعائر، وهناك من مؤرخي الديانات من يزعم أن الأساطير القديمة إنما كانت روايات خرافية تطورت من أجل تفسير طبيعة الكون ومصير الإنسان ، وأصول العادات والعقائد والإعمال الجارية في أيامهم ، وكذلك أسماء الأماكن المقدسة والأمراء البارزين .

- وهناك من علماء النفس من يرى في الأساطير القديمة ذخائر من دوافع ذات طابع أولي بدائي، تكشف وتنير العقل الباطن الجماعي للإنسان، ومن ناحية أخرى فهناك من النجاة وفقهاء اللغة ممن اقتنع بأن الأسطورة ( مرض في اللغة أو أنها نتاج لمحاولات الإنسان العقيمة السخيفة الضالة للتعبير عنه في ألفاظ ).

التفكير الأسطوري عند السوريين / بلاد الرافدين /

جاءنا عن موضوع الخليقة وأصل الوجود والأشياء وخلق الإنسان نصوص أدبية متنوعة بعضها باللغة السومرية، وبعضها باللغة الآكدية ، ومن أدوار مختلفة في حضارة وادي الرافدين، ولا سيما في مطلع الألف الثاني قبل الميلاد، ومن العهد الذي أطلق عليه أسم العصر البابلي القديم، والذي يتميز بما يظهر فيه من نشاط أدبي واسع في حقل التدوين ، والتأليف والترجمة من السومرية إلى البابلية .وكان موضوع الخليقة وأصل الأشياء على رأس القضايا التي شغلت تفكير القوم فعالجوها بالأسلوب الأسطوري الشعري، ونشأ عن ذلك آراء وعقائد متعددة ومختلفة، فقد أجمع الباحثون على وجود أوجه شبه أساسية واقتباسات كثيرة منها في عقائد الأمم الأخرى ولا سيما العبرانيين كما جاء في التوراة، وهناك مواطن شبه لا يشك فيها في أساطير اليونان المتعلقة بأصل الأشياء . - هكذا نستطيع أن نقول كما قال الدكتور لانج ( لقد كان الناس في العصور القديمة يقولون قصصهم تبعاً لنظراتهم الخاصة للأشياء وأسلوبهم في تفسير الأمور، وهذا واضع طبيعي لأنهم لم يكونوا يفكرون على أساس المبادئ التي يضعها الباحثون في العصر الحديث أمامهم عند تفسيرهم لهذه الأمور ).ويقول الدكتور مويللر ( إن الإنسان البدائي لم يكن يفكر كما نفكر نحن، بل ولم يكن يفكر بالطريقة التي نتصور نحن الآن أنه كان يفكر بها أيضاً ) .




يتبع .. الجزء الثاني 

المصدر: المادة بقلم الأب سهيل قاشا ، نشرت في مجلة " الأتجاه " العدد الثامن،شباط 1998، المجلة من مكتبة مدير المركز .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الزيارات

تابعنا على الفيسبوك

الأرشيف

من مضمون المقالات

أقسام المدونة :

الصفحة الشخصية

تابعونا

Translate - ترجمة