المجتمع الأمومي وعشتار الأم الكبرى

. . ليست هناك تعليقات:

كان الاعتقاد سائداً حتى أواسط القرن التاسع عشر ان المجتمع الذ كوري هو كان السائد حتى في المجتمعات القديمة ، وقدمه من قدم المجتمع الانساني ، إلا ان هذه الفرضية قد تهاوت امام النقد العلمي الذي وجه إليها من قبل عدد من رواد الانتروبولوجيا والعلوم الإنسانية ، حيث قاموا بتقديم الأدلة الكافية على وجود شكل أقدم من المجتمع الذ كوري وهو المجتمع الامومي ، الذي لا يقوم على قيم الذكورة وسلطة الأب بل على القيم الأنثوية ومكانة الأم ، حيث ان التجمع الانساني الأول لم يؤسس بقيادة الرجل المحارب الصياد بل تبلور حول الأم التي شدت عواطفها ورعايتها ، الأبناء حولها في اول وحدة انسانية متكاتفة هي العائلة الامومية خلية المجتمع الامومي الأكبر ، وان أهم ما يميز هذا المجتمع هو :

1- ان الرجل سلم القيادة للمرأة لا لتفوقها الجسدي بل تقديراً لخصائصها الإنسانية وقواها الروحية وقدراتها الخارقة وإيقاع جسدها المتوافق مع إيقاع الطبيعة ، فكانت الكاهنة الأولى والعرافة والساحرة الأولى ، وهي المسئولة عن حياة الأطفال وتأمين سبل العيش لهم ، وكانت المسئولة عن تحضير جلود الحيوانات وتحويلها الى ملابس ومفارش وأغطية ، وكانت النساجة الأولى والخياطة وأول من صنع الأواني الفخارية ، وبسبب قضائها وقت طويل في البحث عن الجذور والإعشاب الصالحة للأكل تعلمت خصائص الأعشاب السحرية في شفاء الإمراض ، فكانت الطبيبة الأولى ، وكانت من يبني البيت ويصنع أثاثه ، وكانت تاجرة تقايض بمنتجاتها منتجات الآخرين ، ومن وجود شعلة النار المقدسة في معابد الحضارات المتأخرة وقيام عذراوات المعبد بحراستها والإبقاء عليها مشتعلة نستنتج بأن شعلة النار الأولى قد أوقدتها المرأة وكانت أول حارس عليها حافظ لإسرارها ، حتى توجت المرأة دورها الاقتصادي في هذا المجتمع باكتشاف الزراعة ونقل الإنسان من مجتمع الصيد الى مجتمع الإنتاج الغذائي ، بينما حافظ الرجل طيلة هذه المرحلة على دوره التقليدي في الصيد والتنقل بحثاً عن الطرائد الكبيرة.

2- رجال المجتمع الامومي كانوا أكثر عزة وأنفة وفروسية من رجال المجتمع الذكوري (الأبوي) ، حيث أنهم قد أعطوا المرأة مكانتها احتراماً وتقديراً لا خضوعاً ولا خوفاً .

3- بتتبع اشكال العائلة الامومية ونمط العلاقة الجنسية بين المرأة والرجل ، نستنتج ان العلاقات الجنسية كانت حرة تماماً دون ضابط او قانون ، حيث كل امرأة لكل رجل وكل رجل لكل امرأة .

4- في هذا المجتمع لا يمكن معرفة والد الطفل لأن الأطفال كانوا ينسبون الى أمهاتهم ، ويعرف كل طفل بأمه لا بابيه ، وهذا ما أطلق عليه (حق الأم) ، والأولاد لهم الحق في الميراث والتركة من أمهم لا من أبيهم ، لأن الأب يعتبر غريب ، وميراث الأب وتركته تذهب لإخوته.

5- كانت للمرأة الحق بالانفصال عن زوجها متى شاءت ، ويعود الأولاد إليها لا الى الزوج الذي يخرج من البيت صفر اليدين .
في بابل مثلاً لم يستطيع الرجل وحتى فترات متأخرة جدا من تاريخ المجتمع الذكوري هنا ، ان يضع تحت وصايته حياة المرأة الجنسية قبل الزواج ، فكانت بكارة المرأة ملكاً للآلهة عشتار ، لا لزوجها المقبل ، وكانت تهب عذريتها في المعبد حيث تمارس الجنس المقدس تحت رعاية الآلهة قبل ان تلتزم حياة الزوجية .

وكذلك كان المجتمع الامومي كان واضحاً عند المصريين القدماء وكذلك لباقي الحضارات الشرقية ، حتى إننا نلاحظ بقايا المجتمع الامومي واضحة لليوم.


المصدر :  كتاب (لغز عشتار) الكاتب السوري فراس السواح.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الزيارات

تابعنا على الفيسبوك

الأرشيف

من مضمون المقالات

أقسام المدونة :

الصفحة الشخصية

تابعونا

Translate - ترجمة