حكاية " حميرستان "

. . ليست هناك تعليقات:

" حكاية حميرستان  " 


كليلة ودمنة – حميرستان 1

التقى عدد من الحمير الشاردة في زاوية مقفرة ومجدبة على طرف الغابة، هجرتها كل أشكال الحياة الا بعض الزواحف والسحليات وأنواع الحرباءات والذئاب وأبناء آوى وبعض بقايا الأنواع الأخرى التي منعتها بعض الاعاقات او التقدم في العمر من هجرة تلك الزاوية، يلجأ اليها بعض الغربان ليقتاتوا من هذه البقايا في أزمنة القحط .

تنادوا في احد الأيام الى اجتماع عام وقرروا إقامة سلطة فيها واسموا الزاوية حميرستان. وكان من بين هؤلاء من خدم عند الأسود، فاكتسب ما يكفي من طبائع التسلط والصيد ليكون متسلطاً على حميرستان. وكان الاتفاق ان يتناوب عدد من الحمير على حكم حميرستان، الى أن جاء يعض أبناء آوى والحراباءات وقرروا مبايعة هذا المتسلط ليكون حاكماً مدى الحياة، مقابل حصة زائدة من الفتات. فبايعه كل الحمير وسكان حميرستان مؤقتاً، وصاروا يدعون كل حمير الغابة للالتحاق بهم، والتنعم بما يكسبه لهم الحاكم ومعاونيه، ويحمدونه على حمايتهم وإعتاقهم من مغبة التعب في سبيل الكسب.

ولما كان لا بد من تنظيم الوضع شكلياً، استعانوا بنمر من الغابة ليكون حكماً بينهم. ولما سأل الأسود والنمور وسكان الغابة النمر لماذا قبل بهذه المهمة، قال أنه قبل مرغماً لعله يستطيع ترقية سلوك سكان حميرستان مع الوقت .

وكان يزعج الحاكم ذكر أية أخبار عن الغابة، خاصة عن أسودها وعاداتهم، لأنه يريد أن يزيل من أذهان سكان حميرستان كل صورة لأي كائن قوي غيره، غير أن أكثر ما يزعجه كان بضعة نسور تمر من وقت لآخر فوق الغيوم، فتنظر من عليائها الى هذا القحط المسمى حميرستان، وأحياناً تفرغ عليها باحتقار بعض ما في أمعائها وتكمل طريقها.

جاء يوم ضجت فيه حميرستان من تجاوزات الحاكم وجماعته، فاحتج السكان ولجأوا الى النمر للتحكيم. فما كان من النمر الذي لا يساوم عادة على مبادئه، الا أن حكم بما لم يعجب الحاكم، الذي ابتسم مرحباً لكنه أوعز الى زبانيته بتوبيخ النمر.

فاجتمع الحمير والمعاونون وصار كل واحد يدلي بدلوه، من دون أن يصلوا الى طريقة معقولة، وفجأة أطل ابن آوى حربوق من مستنقع من الوخم كان يختلي فيه بدجاجة هاربة، ونفض اذنيه وقال: انا رأيت النمر يتآمر علينا مع أحد النسور، وغمزه فتبول علينا من عليائه. 

وأعجبت الفكرة السيد، فعممها على المريدين، فثاروا ونهقوا عالياً مطالبين بإقالة النمر واستبداله بحمار طيّع... ومن يومها خلت الساحة للسيد، وعادت حميرستان للحمير. وارّخوا ذلك النهار بأنه عيد الاستقلال والتحرر؟

عن عبدالله ابن المقفع - بتصرف

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الزيارات

تابعنا على الفيسبوك

الأرشيف

من مضمون المقالات

أقسام المدونة :

الصفحة الشخصية

تابعونا

Translate - ترجمة