نضيء اليوم على روائع الشرق القديم منذ عصور ما قبل التاريخ ، حيث كشفت لنا البحوث الأثرية عظمة هذا التاريخ العظيم ، حيث برع القدماء في مجالات كثيرة سوف نوردها تباعاً في هذه المادة البسيطة .
روائع الفخّار
أبدع إنسان عصور ما قبل التاريخ في الشرق القديم من الطين أقدم أوانيه الطينية, ثم الفخارية التي أخذ يتفنن في إبداع شكلها وحجومها وأنواعها المختلفة، ويرى بعض الباحثين أن فخار جرمو يعود إلى نحو 6400 ق.م، حينما حل الفخار محل الحجر في إبداع الأواني، ثم انتقل الإنسان من المرحلة النفعية إلى المرحلة الجمالية، وأخذ يتفنن في تزيين أوانيه بألوان ترابية، استخدمها في رسم الأشكال الهندسية المختلفة بدءاً من النقطة والخط والدائرة والنجوم، وأخذ يستوحي مما يراه في بيئته، ثم أخذ يتفنن ويبتكر التقنيات التي من شأنها أن تلبي رغبته في تطوير ما يبدعه، كتحزيز سطح الأواني.
إن أهمية تلك الأواني الفخارية جعلتها تعرف باسم موطن إبداعها مثل «فخار حسون»، و«تل حلف»، و«العبيد»، و«جمدة نصر»، وبعد مرحلة الأواني الفخارية هذه راح الفنان يبدع من الطين تماثيل حيوانات الأضاحي كالماعز وغيرها، كما أخذ يبدع تماثيل لآلهته وأربابه لاسيما «الربة الأم» ذات الصدر الواسع والثديين الثقيلين، ومن أجمل هذه التماثيل تلك المكتشفة في موقع «كشكوك» في شمال سورية .
وتجدر الإشارة إلى أهمية هذه الروائع الفخارية المكتشفة في الشرق القديم، والتي منها الأواني الفخارية المفتولة، والمزدوجة، والنصب الفخاري الذي تعلوه عينان واسعتان مستديرتان.. والوعاء الفخاري المكتشف في «مينة البيضاء ـ أوغااريت»، وأفاريز جدارية من الآجر الفخاري المزجج والملون، تمثل الرماة في جيش الملك الأخميني داريوس، وهناك أفاريز أخرى تمثل أسداً فاغراً فاه يوحي بأنه يزأر، وهناك أفاريز تمثل قطيع حيوانات، أو ثيراناً مجنحة في حالة سيرها، وصنع ذلك الفنان من الفخار مجسَّم بيت من طابقين عثر عليه في مسكنه، وثمة مجسم بيت مستدير الشكل عثر عليه في ماري، وتجدر الإشارة إلى جمالية الآثار الفخارية المكتشفة في سوسة عاصمة عيلام (في إيران)، ذات الشكل شبه الأسطواني وقد زُيِّن سطحها برسم جدي لـه قرنان كبيران مستديران، ويتألف جسمه من مثلثين، كما زين سطح أعلى هذه الآثار بحيوانات كثيرة ذات أعناق طويلة بدت كزخارف رائعة.
روائع الأختام
وظهرت الصور البدائية التي تعد من أقدم أشكال الكتابة التصويرية البدائية، كما ظهرت الأختام المسطحة والأختام الأسطوانية بموضوعاتها المختلفة مثل العبادة، ومثول الملك أمام الرب الأكبر المتربع على عرشه، والأشجار والحيوانات، والكواكب والنجوم، والورود والأزهار، والرموز المختلفة التي لها مدلولاتها الذكية .
روائع تماثيل الحيوانات
تتميز تماثيل الحيوانات بالجمال الفني والواقعية، ويعد تمثالا الأسدين البرونزيين المكتشفين في «ماري» والمنحوتة الآشورية التي تمثل اللبوة الجريحة بسهم وبوابة عشتار البابلية ، وبوابة قصر تل حلف ، من روائع الفن في الشرق القديم .
روائع المنحوتات الوثائقية
من أجمل المنحوتات الفنية الوثائقية منحوتة من حجر الجير، تمثل ملك لجيش (أورنانشي 2495ق.م ـ 2465ق.م)، تدل على مهمات الملوك في الشرق القديم ومدى اهتمامهم بالعمارة والترميم وتجميل المعابد وتقديس الأرباب طلباً للرخاء والازدهار. وهناك النصب الحجري المشهور باسم «نصب النسور الجارحة» المحفوظ في متحف اللوڤر في باريس، وهو من روائع العصر السومري، ويتعلق بالصراع بين مملكتي «أوما» و«لجش»، وهناك نصب عمريت من الحجر الجيري، ونصب رب المطر فوق حيوانه الرمزي في حركة يدوية لهطول المطر، وتابوت ملك صيدا (إشمونزر الثاني) الذي له شكل مومياء مصرية يدل على الصلات الفنية بين مصر والساحل السوري.
ورأس الثور المشهور والمتبقي من قيثارة عثر عليها في مدينة أور، وهو من النحاس عيناه مرصعتان بالصدف واللازورد، مما يضفي جمالية الحياة عليه، وعثر في «ماري» على ألواح صغيرة لها شكل أشخاص في أوضاع مختلفة عدها بعضهم جزءاً من «علم ماري»، وعثر فيها أيضاً على تمثال «إبيه إيل» وهو من روائع فن الشرق القديم، وتمثال «ايكوشماگان» وتمثال «لمجي ماري» وتماثيل العابدين، إضافة إلى تمثال «ربة الخصب» الذائع الصيت، وهي تمسك بيدها وعاء يوحي بنبع المياه منه ويزين ثوبها الطويل رسوم أسماك محززة ترمز إلى المياه، ولوحة تمثل البطل الأسطوري «جلجامش» يسيطر بيديه على أسدين في جانبيها، مما يدل على أهمية فن النحت في مملكة ماري، ويعد «نصب نارام سين» من روائع فن النحت الأكادي، وفيه يبدو الملك الأكادي على رأس جيشه ضد جماعات «اللولوبيين» Lullubi من جبال زاغروس وقد تساقط أعداؤه.
ويزهو متحف اللوڤر بتماثيل «ملك لغش» التي كان يقدم معظمها إلى الرب «نينجرسو». يمثل أحدها الملك «جوديا» جالساً وعلى ركبتيه صورة مخطط بناء معبد، مما جعل هذا التمثال يعرف باسم «جوديا المعمار»، وهناك تمثال آخر يمثل «جوديا» يمسك بيديه وعاء تنبع منه المياه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق