سأبدأ مقالتي هذه بمقدمة بسيطة ، لتكون مدخلا ً للفكرة العامة ، التي أود طرحها ، البداية من الشرق القديم ،كلنا قرأنا الواح الطين المشرقية التي قالت لنا ، أن التاريخ بدأ في الشرق ، وأن أول الديانات الغير سماوية بدأت في الشرق ، وأن الغرب قام بنقلها وأتبعها وآمن بها ، من الآلهة القديمة حتى التشريع الأول ، والحرف والرقم ،ومع مرور القرون وفي الوسطى منها انتفض الغرب على الدين ، وخاصة على سلطة الكنيسة ، ليقول بفصل الدين عن الدولة، وليعزل انتماء المواطن الغربي والأوربي من السماء إلى الأرض ،والآن لننظر إلى الشرق ، والدماء التي تسيل على أرضه ، منذ سنوات خلت حتى اللحظة ، باسم الحرية الغربية والديمقراطية الأوربية وبعدها باسم الدين .
الغرب لازال يكيل بمكيالين ويدعي العلمانية والتمدن والحضارة ، والمشرقي لازال ونحن في القرن الواحد والعشرين وللأسف يدعي التمدن لكن يتمسك بقوة بالدين والمرجعية الدينية ، ولا نجد حتى اللحظة من يعترف أنها حرب دينية طائفية مذهبية ، بل يطلقون عليها مصطلحات مستوردة من الخارج كما هي البضاعة التي نستوردها ، الكل يعرف والكل يرفض الاعتراف أن الشرق يخوص في دم التدين .
أنظر معي عزيزي القارئ :
فلسطين منذ قرون وحربها دينية ، اليهود يطالبون بوعد الرب يهوه ، وأبناء فلسطين يدافعون عن أولى القبلتين والأرض المقدسة .
لبنان ضائعة ولازالت منذ خطها غورو الفرنسي حدودها المصطنعة في نعرات الطائفية والانتماء المذهبي ، وكأن حربها الأهلية لم تنتهي بعد ، وأهل لبنان يدعون أنهم متمدنين وينتمون للحضارة الغربية ، الأردن تائه بين القبلية والعشائرية والملكية وفي باطن الحقيقة بالعمالة لليهود ،أما الشام فحربها دينية لامحالة ، ومن يدعون الحرية عنواناً والديمقراطية بياناً قد ضاعوا واحترقوا بنيران الطائفية والسلفية التكفيرية وأصبحت راياتهم سوداً ، وأما العراق نراه في لحظة قد ضاع نصفه وأحترق وأصبح ولاية اسلامية ، تنهشه ضباع المذهبية والغرب يتفرج عليه وعينه على النفط ، والعرب العاربة والمستعربة لا يعنيها ذلك فشيوخ النفط لازالوا برحلة استجمام في أوربا.
أذا ً أيها المشرقي أين أنت ، ماذا تريد وإلى ماذا تنتمي ، والغرب يبيعك حلماً دينيا ً ويدعي أنه ابن الحضارة والمدنية ، وعجبا ً نرى اليوم في العراق ملايين يلبون نداء مرجعية دينية للقتال ضد داغش ، ولم يلبون نداء أرض العراق التي تقتل منذ سنوات ، وهل كانوا بخير قبل داعش ، أيها المشرقي كيف تكون مشرقيا ً ابن المشرق ، ومن يحركك مرجعية في أوربا مثل الفاتيكان ، وكيف تكون مشرقيا ً وتحركك مرجعية في قم ايران ، وكيف تكون مشرقيا ً وتحركك مرجعية في أزهر القاهرة أو شيخ في أفغانستان .
أفق من دوامه الضياع وفقر الانتماء ، أيها المشرقي أفق ، ليكن انتمائك للأرض التي تحيا عليها ، وليكن مرجعك الوحيد هو العقل ، العقل فقط ، وستعرف كيف يكيل لك الغرب بمكيالين ولمصلحته السياسية الاقتصادية فقط ، وسترى كيف أن الغرب المتمدن تحركه العقلية الدينية فقط وليست المدنية ،عد أيها المشرقي إلى المدينة الأولى التي بناها اجدادك في الشرق ، عد إلى ضفاف دجلة والفرات إلى الحق والخير والجمال .
بقلم مدير المركز ، نشرت لأول مرة في موقع صوت العقل بتاريخ 18/6/2014
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق